محمود حربي: في حضرة.. القطامي جاسم

في ليلة ليست كغيرها من الليالي، اجتمع الناس من كل الاعمار والاتجاهات، شيوخاً وشباباً، مسؤولين ومواطنين عاديين، موالين ومعارضين.. الجميع حضر الى جمعية الخريجين مساء الاثنين 10 ديسمبر للاحتفال بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، ولتكريم رجل حفر لنفسه تاريخاً بارزاً في فضاءات الديموقراطية والعروبة وحقوق الانسان.. انه جاسم القطامي.

وانا ارى هذه الجموع التي ضاقت بها قاعات الجمعية وفاضت الى الساحات الخارجية… ذهبت وبخاطري مشهد اخر.. فأنا ابن القاهرة القديمة، ومثلتْ موالد اهل البيت واولياء الله الصالحين جزءا كبيراً من سجل حياتي.. وتذكرت انني في حضرة الشيخ الجليل جاسم القطامي الذي جاء مريدوه من كل مكان، حتى الصغار الذين لم يعاصروه، جاء الاحبة من مصر والعراق والبحرين وفلسطين، يلتمسون البركات والنصيحة في وقت غابت فيه الحكمة وتم خلط الاوراق وتراجع صوت العقل، لتسيطر الحناجر القوية على الوضع ويتعارك الناس في اللاقضية.

سمعت هاتفاً يقول: مدد يا سيدنا القطامي مدد.. وتخيلت روح الشيخ الجليل تطوف على المريدين في المكان، يوزع البركات والنفحات وقلوب الجميع تهفو الى هذه السيرة العطرة التي تركت بصمات واضحة في مجالات الحرية والدفاع عن حق الشعوب في التعبير.. وكان شامخاً وقدم التضحيات تلو الاخرى انتصاراً للمبادئ ولكرامة الشعب، وكان صوته عالياً رنانا بالحق يوم كان للكلام معنى وللصرخة موقف وحساب.

في حضرة الشيخ الجليل شعرت انه يمد يده للجميع.. يا ابنائي انتصروا للمبادئ ولا تتخلوا عن الضعفاء..

ووجدت نفسي اخاطبه: يا شيخنا الجليل ظهر الفساد في البر والبحر، وضاعت معاني الكلام، واختلط الحابل بالنابل، وتغلبت المصالح على المبادئ، واصاب العطب السفينة، وتمزق الشراع.. فماذا نحن فاعلون؟!.. واجاب: المبادئ لا تتجزأ والمناورات لا تفيد.. لا تفقدوا وجهة البوصلة.

ونظرت حولي ووجدت المريدين في صمت يتابعون المسيرة العطرة للشيخ الجليل من خلال فيلم المبدع يعرب بو رحمة الذي خلط بين بطل ألعاب القوى التي تفوق فيها الشيخ الجليل منذ ان كان طالباً في المدرسة الابراهيمية في حي جاردن سيتي في القاهرة، وحكاية بحار التي كتبها طالب كلية البوليس في الاربعينات وهو المنتمي الى عائلة لها مع البحر باع طويل.

يا شيخنا الجليل.. ما اعرفه يقيناً ان تاريخ المنطقة عندما يكتب بصدق سيضع بأحرف من نور اسم جاسم القطامي في مقدمة الشرفاء والمناضلين الذين ضحوا بكل شيء من اجل المبادئ، ولم يهادن او يتنازل او يحصل على منفعة شخصية، بل بذل الغالي والنفيس من اجل اسعاد الاخرين والوقوف مع المستضعفين.. انها سيرة رجل من الاولياء الصالحين، ستذكره الاجيال، انه القطامي.. جاسم.

محمود حربي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.